وجهات نظر

قانونية نشر صور المرضى والموتى والمتهمين.. بقلم: د. نبيل فزيع

د. نبيل فزيع
د. نبيل فزيع

أثارت واقعة نشر صورة فنان كبير، في حالة مرضية، على مواقع التواصل الاجتماعي، حالة من الجدل حول قانونية وأخلاقية الفعل ذاته، وما المقصود به، ومن الذي يحق له نشر صور الغير، وفي أي الحالات.
هناك تأصيل تشريعي مهم يعني بالحماية الجنائية للحق فى الصورة فى القانون المصري، ومع التقدم العلمي الخطير في مجال التكنولوجيا والهواتف المحمولة والكاميرات وأنظمة المراقبة وتطور الأقمار الصناعية، أصبح من الممكن انتهاك الحق في الصورة للمواطنين في ثوان معدودة عن طريق التقاط الصور ونشرها على شبكة الإنترنت الدولية، وتعالت صرخات الأشخاص لتحقيق الردع للجناة.
وظهر العديد من القضايا المحلية والعالمية والتي أثارت اهتمام الباحثين والمواطنين على حد سواء، ففي مجال الصحافة والإعلام نجد تجاوزات وانتهاكات للحق في الصورة بطرق متعددة منها، التقاط ونشر صور المشاهير دون رغبتهم واستخدام بعض الصحفيين صور الرياضيين أو الفنانين للتشهير بهم أو الإساءة إليهم، ونجد بعض مجلات الأزياء تقوم بعرض بعض الصور للمشاهير دون رغبتهم أو إذنهم بهدف الوصول إلى أكبر كمية من المبيعات دون أخذ إذن صاحب الصورة.
وحرص الدستور المصري الصادر عام 2014 على حماية الكيان المعنوي للإنسان فقرر حماية الحياة الخاصة للمواطنين بموجب نص المادة (57) منه، واهتم المشرع المصري بتجريم التقاط أو نقل الصورة بجهاز من الأجهزة، إذا تم الالتقاط أثناء الحياة الخاصة للمواطنين وبخاصة إذا كانت الصورة في مكان خاص، وذلك بمقتضي نص المادة (309 مكرر) من قانون العقوبات والتى تنص على أن :
"يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من اعتدي على حرمة الحياة الخاصة للمواطن ، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضاء المجني عليه :
(أ) استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون.
(ب)التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص.
فإذا صدرت الأفعال المشار إليها في الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع علي مسمع أو مرآي من الحاضرين في ذلك الاجتماع ، فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضاً .
ويعاقب بالحبس الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبنية بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته.
ويحكم في جميع الأحوال المبنية بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عليه، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها".
إن جريمة انتهاك الحق فى الصورة تتحقق بمجرد التقاط صورة لشخص فى مكان خاص أو أثناء حياته الخاصة بدون رضاه ، ولا يهم شكل الشخص في الصورة أو حالته أو وضعه في الصورة ، ويستوي أن يكون في وضع مخجل أو وضع عادي، ويستوي أن يكون مرتدياً ملابسه أثناء يقظته أو أثناء نومه، فالمهم هو صورة الشخص وأن تكون قد التقطت أثناء حياته الخاصة أو فى مكان خاص وبدون موافقته .
وقرر المشرع الجنائي المصري أن تتم جريمة التقاط أو نقل الصورة "بجهاز من الأجهزة" دون تحديد أن يتم فعل الالتقاط أو النقل بجهاز معين من الأجهزة ، وعلي ذلك فإن المشرع
لا يشترط أن تتم الجريمة بنوع محدد من الأجهزة ، الأمر الذي يتسع ليشمل بعد ذلك كل ما يستجد من تقدم في صناعة آلات التصوير في هذا الصدد.
وقد اتجه القضاء الفرنسي في حكم هام له ، إلى اعتبار السيارة مكانا خاصا في مفهوم المادة 226/1 عقوبات فرنسي والأخذ في الاعتبار حالة الخصوصية، في قضية أثارت الرأي العام تتعلق بالتقاط مصورين صورة لوريثة شهيرة من (الأسرة الحاكمة) في داخل سيارتها الخاصة ليؤكدوا تفاصيل هامة وُجدت آنذاك (في وقت التصوير)، تتعلق بوجود صلع اخترق الجزء العلوي من الجمجمة في ذلك الوقت لهذه الشخصية البارزة، وبعد الشكوى الجنائية التي قدمتها الشخصية المعنية تمت إدانة المتهمين.
ومن الجدير بالذكر أن التقاط صورة شخص أثناء المرض بدون رضاه تتحقق معه جريمة انتهاك الحق فى الصورة لأن حالة المرض ومكان المستشفى من أشد الأماكن خصوصية والتى لا يرغب الشخص فى الغالب أن يطلع عليها أحد ، ولذلك تقوم الجريمة فى حق الشخص الذى يقوم بالتقاط صورة لمريض دون رضاه .
وتجب ملاحظة أن الموافقة على التصوير لا تعنى بالضرورة الموافقة على نشر الصورة، فإذا ما قام شخص بالتقاط صورة لشخص آخر فى مكان خاص بموافقته فليس معنى ذلك أنه يحق لهذا الشخص نشر الصورة، لأن عملية نشر الصورة تحتاج لموافقة خاصة من صاحب الصورة، فإذا ما قام ملتقط الصورة بنشرها بدون إذن صاحبها يقع تحت طائلة القانون فى هذه الحالة.
وثار الجدل والتساؤل فى الأيام الماضية عن قضية أثارت الرأى العام فى مصر تتعلق بتصوير فنان كبير أثناء مرضه، قيل إنها نشرت من قبل نجلته، من أجل تحريك الرأى العام للاهتمام بحالة أبيها، ولم تكن تعلم أن والدها لا يوافق على مسألة نشر الصورة أو في حالة لا تسمح بذلك.
وواقع الأمر أن جريمة التقاط أو نقل الصورة وفقاً للمادة 309 مكرر من قانون العقوبات المصري هي جريمة عمدية، ويتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي العام ، ويتحقق القصد الجنائي العام بتضافر عنصري العلم والإرادة ، فلا يكفي لقيام الجريمة توافر الخطأ غير العمدي أو الإهمال مهما بلغت جسامة هذا الإهمال أو الخطأ، بل يجب تحقق القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة.
والعلم ، يجب أن يشمل كل عناصر الفعل المادي المكون للجريمة (محل الجريمة – السلوك الإجرامي – وسيلة ارتكاب الجريمة- طبيعة المكان الذي ترتكب فيه الجريمة – عدم رضاء المجني عليه) وانتفاء العلم بأحد هذه العناصر لا يتحقق معه القصد الجنائي، وبالتالي تنتفي الجريمة .
إن نجلة الفنان لا تقع تحت طائلة القانون إذا لم تكن تعلم أن والدها لا يوافق على نشر الصورة، فإذا ما اعتقدت (لأسباب معقولة وواقعية) أن والدها يوافق على النشر فلا تقوم الجريمة فى حقها، هذا كله على فرض أن التصوير قد تم بموافقة الفنان، أما إذا كان التصوير قد تم خلسة وبدون موافقة الفنان ففى هذه الحالة تقع نجلته تحت طائلة القانون لالتقاط صورة لشخص فى مكان خاص بدون رضاه.
أما الشخص المتوفى فليست له إرادة وإنما تنتقل حقوق الشخص على صورته للورثة بمجرد الوفاة باعتبارهم الخلف العام ولحين إجراء مراسم الدفن، وفى هذه الأثناء تقوم الجريمة بمجرد تصوير المتوفى بدون إذن ذويه.
وبالنسبة لتصوير المتهمين، يُعد السماح بنشر صورة شخص مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة ما أثناء مرحلة جمع الاستدلالات، خروجاً على مبدأ قرينة البراءة، ذلك أن الأصل في الإنسان البراءة لحين التأكد من خلال الأدلة والقرائن ثبوت التهمة المنسوبة إليه ، ولا سيما وأن الشخص المشتبه في ارتكابه لجريمة ما أثناء مرحلة جمع الاستدلالات، لم يتأكد بعد أنه مرتكبها بالفعل ، وأن الاستدلالات في ذاتها التي تتخذ حيال الشخص ، ما هي إلا مرحلة يمكنه من خلالها الاستناد إلى دليل إدانة أو الانتهاء بعدم وجود دليل وبراءة المشتبه فيه ، وفي هذه الحالة فإن نشر صورته علي أنه مشتبه فيه هو أمر يسيء إلي سمعته وكرامته، وهذا ما يتعارض مع مبدأ قرينة البراءة، لذلك فإن الأصل هو حظر نشر صورة المشتبه فيه لما ينطوي عليه من المساس بالحق في الصورة ، فضلاً عن الإساءة إلى سمعة إنسان لا تزال إدانته موضع شك واحتمال، ويستثني من قاعدة حظر النشر، ما تقوم به السلطات العامة من نشر صور المتهمين بارتكاب جرائم ماسة بأمن الوطن ، كالجرائم الإرهابية، وذلك لتسهيل القبض على المتهم أو لتنبيه الناس من خطورته الإجرامية، فيكون هذا الاستثناء في أحوال طارئة، وتبعاً للظروف التي تمر بها البلاد ، وبالنظر أيضاً إلى خطورة المتهم وبشاعة الجريمة يكون النشر للمصلحة الاجتماعية ، وهنا يتم تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، لكن يجب أن يطبق هذا الاستثناء في نطاق ضيق.
بينما لا تقوم الجريمة فى حالة نشر الصورة للدعاء للمريض كما حدث للفنان الكبير التى أثيرت قضيته مؤخراً لأن ملتقط الصورة هنا يعتقد بموافقة المريض على النشر وبخاصة إذا ما كان ناشر الصورة قريب للمريض من الدرجة الأولى، أما إذا كان ناشر الصورة شخصا غريبا عن صاحب الصورة فتقوم الجريمة فى حقه لوجوب أخذ إذن صاحب الصورة فى هذه الحالة.


*الكاتب مستشار قانوني ومحام بالنقض

فندق سفير القاهرة
د. نبيل فزيع قانونية نشر صور المرضى والموتى والمتهمين