وجهات نظر

خاطر عبادة يكتب: الإنسان.. محور التغيير

خاطر عبادة
خاطر عبادة

أجمل تغيير هو ذلك الذى يمس أعماق الإنسان وجوهره وينير المناطق المظلمة بعقله فيغير من شخصيته ليولد بداخله إنسان جديد.. قبل عزمه تغيير الأماكن والظروف والأشخاص؛ فالله تعالى يطالبنا بتغيير ما فى أنفسنا أولا !
وكانت إحدى الدروس المستفادة من الهجرة النبوية الشريفة.. أن يكون الإنسان هو محور التغيير، وأن أساس التغيير الإيجابي فى أى مجتمع هو بناء الإنسان أولا.. وهداية النفوس وتهذيب الفرد و إنارة العقول وإعلاء قيمة الفرد.. قبل تغيير الظروف والأشخاص وإزالة المعوقات والعقبات وقبل حتى نزال الأعداء.. لأن العقبات والشر موجودين فى كل مكان وكذلك الخير وصحبة الأخيار.. فعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد نوع آخر من الكفار وهم المنافقون الذين تظاهروا بالإيمان؛ وذلك لأن المسلمون فى المدينة كانوا أقوى.
ليس الشكل والمظهر فقط هو ما يجعل الشخص يطل بنظرة رضا للعالم كأنه متصالح مع الذات والحياة.. الأمور لا ينظر إليها هكذا.. السعادة والتغيير يبدأن من الداخل؛ مسألة صعبة تتطلب أولا الفهم والصدق والإخلاص والرجولة، وليس مجرد وضع فرشة أو طلاء للنظافة والتجميل أو اللجوء للجمال المصطنع.. ليس بتلك البساطة أن يثبت أحدنا أنه حسن وجميل.
هداية النفس أولا .. هى ما تجعلك تنظر بحب ورضا للناس والحياة وسلام واكتفاء .. المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.. يجب أن تكون مسالم مع الناس .. اصلح ذاتك أولا
وهداية النفوس تأتى مقدمة على أية مقاصد أخرى حتى يتسنى للشخص تغيير ظروفه أو هجرة الأماكن.. وأرض الله واسعة.. فقد تكون الهجرة إلزامية من مكان تنتشر فيه المعصية جهارا نهارا سرا أو علانية.
ولا يوجد تغيير سهل سلس؛ قد يبدأ بفكرة، لكنه يحتاج لإرادة ويمر بعقبات ومنحدرات وعوائق فيمر بمراحل تتقن خلالها النفس فنون الصبر والتعلم حتى تكتمل الفكرة ومعنى التغيير؛ أما التغيير السريع فهو يؤدى للفشل والعنف لأنه ليس مبنيًا على قواعد وأسس.. والأحداث العظيمة يجب أن يسبقها بدايات شاقة وصعوبات وتضحيات لتفرز عن معانى كانت بمثابة إحياء جديد للنفوس ..
ولحظات التغيير تحدث حين تصدق النوايا ويكتمل الوعى وتسليم الإرادة لله.. فلابد أن يكون التغيير مصحوبا بإرادة الله- مهما أوتى الإنسان من قوة- فى لحظة يحددها وحده سبحانه سالفا بعد أن تكون قد اكتملت أركان الفكرة واقتضت مشيئة الله تعالى ذلك.. طالما يسير الإنسان وفق النهج الصحيح فلا يقلقه تأخر ميعاد الفرج؛ لأن الله تعالى ربط بين تحقيق الأمنيات والاستعانة بالله والتزام الصلاة والذكر والدعاء حتى تنحل العقد وتحل الأسرار.. ويستبشر طالما أن قلبه متعلق بالله مطمئن بذكر الله ويمتليء بالرضا..
فإذا كنا نعلم ذلك أن الغاية فى هذه الدنيا هى هداية الإنسان وأن يشمل أثر التغيير سلوكه ومظهره؛ ومن هنا فلابد أن يكون ذلك النهج هو أساس التغيير دون تبديل أو تغيير .. وبناء الإنسان أولا.. هو نهج وأسلوب حياة أيضا يسبق أى مقومات أخرى للنجاح لأى دولة متقدمة.. مثل الاهتمام بتوعيته وتعليمه وتنويره ودعمه، وعدم تهميش الثقافة والنظام أو كل ما يعلى من قيمة الإنسان .. حتى لا تفسد المعانى وتختلط المفاهيم وتنتشر العشوائية وتفشى ثقافة الجهل والعنف والجرائم، ولكن الأولوية القصوى الأن تتطلب إعادة ترسيخ ثقافة الدين وغرس بذور التقوى والخير؛ لنقدم للمجتمع نماذج صالحة ومن ثم يكتسب مناعة تحصنه من الفتن أو تحقق على الأقل التوازن الضرورى مع انتشار السلوكيات الخاطئة وفى حالة غياب القدوة.
فلو صلح المجتمع لن يهمه شأن العالم مهما تأمروا أو كفروا.. (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم).. فتأسيس مجتمع صالح يبدأ بصلاح الفرد.
ولذا فإن الخطأ الذى تقع فيه جماعات سياسية أن شؤون السياسة ليست وظيفة تدار بإنشاء مكاتب سياسية وحركية منفصلة عن المجتمع والناس والدين أو شعارات تدعو للتغيير وتنسى أن تبدأ بنفسها.. ثم تقول إن أى بشر وجماعة قظ تخطيء وتصيب.. ولكن هذا بشرط أن يكون الأساس والنية سليمة وبدون انحراف واضح عن الطريق الصحيح.
فيجب علينا التمييز بين إرادة الإصلاح والهداية وبين الأسلوب الذى يبتدعه سياسيون لإخراج المفاهيم من سياقها الصحيح.. مثل إيهام البسطاء بالخروج فى مظاهرات بهدف التغيير تسبب فوضى واضطرابا.. لأن التغيير ليس كذلك؛ فالتغيير يبدأ بالأخلاق كأن تكون ثورة أخلاقية..(.. إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت )

فندق سفير القاهرة
الإنسان