وجهات نظر

خاطر عبادة يكتب: مجرمون ونوابغ ؟!

خاطر عبادة
خاطر عبادة

الجريمة هى الجريمة بغض النظر عن مرتكبها سواء كان متعلما أو أمّيا، فهى طبع وأسلوب تربية ونشأة ومسألة ضمير والعديد من المكونات الشخصية غير السوية السليمة.. وبغض النظر أيضاً عن مدى جودة التعليم بقدر ما يرتبط بمدى التأهيل التربوى والنفسى والتوعوى والوازع الدينى للطلبة بالمدارس والجامعات، وهناك واقع يؤكد ذلك أنّ حصول البعض على شهادات جامعية لا تثبت بالضرورة أنهم متعلمون أو لديهم وعى حقيقى كامل.

ما زال البعض يبحث عن البديل فى ثقافات أجنبية ونماذج سفيهة وفئات ضالة للاقتداء، أصبح الاهتمام بالشكل أهم من الجوهر هو أفة هذا الزمان والبحث عن أزياء وموضة عجيبة، لم تعد للمدرسة والجامعة هيبتها ووقارها كمكان لتلقى العلم، هناك أمورا لم ندرسها ونتعلمها فى الجامعات.. فلا نتعجب إذا تخرج لدينا جيل غير متعلم يركز على التفاهات والشكليات والماديات ولا يفهم مقتضيات الحياة والدين والسياسة والزواج.

لكن السؤال الملّح الأن بعد تكرار حوادث لطلبة بالمدارس والجامعات.. لماذا ظهر الفساد بين الطلاب؟ وكيف نشكّل ثقافة ردع لمنع أسباب الفساد قبل أن يتحول لظاهرة؟..

ضرورة الانتباه لدوافع وميول الشر مثل الإدمان وأصدقاء السوء والعلاقات غير الشرعية والانحراف.. هذه أمور تأخذ بأيدى صاحبها إلى الجريمة حتى لو كان ناجحا ونابغة.

معرفة دوافع السلوك العدواني المتطرف والتى تهوى بصاحبها إلى مستنقع الإجرام وهى غياب دور الأسرة أو تفككها والانغماس فى المعاصى والانحراف وبالتالى ينفصل كليا عن المجتمع وقيمه والدين؛ رفض الواقع والحقد على المجتمع؛ وانتشار المخدرات و غياب القدوة الحسنة والاقتداء بنماذج بلطجة شاهدها فى أفلام أو مسلسلات أو حتى أغانى شعبية تروج للعنف و الثأر والغل وأخذ الحق باليد؛ وكأن ذلك من سمات الجدعنة وهى مسؤولة أيضا عن تدنى الذوق العام وتدهور القيم.. ثم بعد ذلك نتسائل ونتعجب عن أسباب وقوع حوادث عنف شنيعة فى الواقع.

ويجب أن ينتبه الجميع أيضاً إلى خطورة ما يسببه إدمان المخدرات من إفساد العقول والفكر وتبلد المشاعر والقسوة و التطرف فى الغضب والانحراف.. فيكون رهينة لشهواته وغضبه ويتصرفه كأنه دمية بين إصبعين من أصابع الشيطان.

وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعى أداة للانفصام الاجتماعى، أداة ضارة فى أيدى السفهاء والمغرضين لتغذية الانقسام والكراهية ونشر الشائعات.. قد يكون الأذى عبارة عن كلمة أو تشهير.. وبث الخوف والهلع والإضرار بحالة الأمن المجتمعى وكذلك القومى.

والسؤال أيضاَ كيف يمكن للمظهر والذكاء أن يخفى كل هذا الإجرام؟. قد يبدو أحدهم يوما أنه شخص مسلى وظريف، ومتفوق دراسيا؛ لكن كثير من الشخصيات الشريرة قد تجيد الضحك والهزار وتتمتع أيضا بالذكاء وتصل لمواقع النجاح فى كل مكان؛ لكنها سريعا ما تحقد على من يتميز عنها ولا تحب الخير للناس.

الأشرار فى كل مكان وزمان طبيعتهم واحدة هى جفاء القلوب و لا يحبون أحدا؛ إما حب مصلحة أو امتلاك أو إذلال.. لو سألت أحد قساة القلوب عن تعريف معنى الحب فسيقول (لا يوجد حب.. كل هذا مجاملة ونفاق ولن يحب أحدا لوجه الله).. نظرة معقدة حقيرة للناس ومعقدة،، ولن يعجب إلا بمن على شاكلته فقط أو من هو أشد منه غلظة وقوة فيما عدا ذلك فكله نفاق.
ورغم ما قد يبدو عليه هذا النوع من البشرية من الخارج ناجحا أو مسليا فى بعض الأحيان.. لكنهم فى الحقيقة بلا قلب يتعاطف مع غيره أو يتأثر بالأحداث.. فيكون ردهم حينئذ ( لن أكون أحن على الناس من خالقهم).. ولا أحد يعترض على هذا القول؛ الله أرحم بعباده من أنفسهم بالطبع.. لكن من لم يهتم بشؤون المسلمين فليس منهم.. الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك.. لا تكن سببا فى أذية أحد فى عمله أو دراسته.. ثم تقول ( إن الله أرحم به.. قد يجد مكانا أفضل من هنا) والأمثلة كثيرة لتلك الشخصيات الحقودة الشريرة.

الطبيعة الإجرامية هى الاندفاع للشر والقسوة والتطرف عند الخلاف وتكون متأصلة عند المجرمين الذين لا ينظرون إلى أى اعتبارات دينية أو مجتمعية سوى الانتقام و الثأر بشكل مبالغ فيه .. والتهديد بالعنف والقتل عند أى شجار.. وسمات تلك الشخصية موجودة فى كل مكان لكنها تتخذ منحى الجريمة بلا تردد ومنحنى أكثر تطرفا فى بؤر الفساد والإدمان و البعيدة عن الوازع الدينى والطابع الأصيل للمجتمعات.

الطبيعة الإجرامية متأصلة وتظهر عند الخلاف.. ومثال على ذلك؛ لماذا قد تتطور خلافات عادية كثيرة تحدث بين اثنين من المعارف أو الأصدقاء- لتصبح جريمة، لأن التعامل مع شخص حقودى أو بلطجى أو شرير أمر خطير لأنه بمجرد الاختلاف معهم ستظهر كل دوافع الإجرام والتطرف والسادية والقهر وانعدام الرحمة والضمير ولديهم ميول للشر.. والانحراف وراء شهوة عمياء وعمى قلب أو هم كتلة من الحقد والكراهية والشر.. هذه ليست سمات الأسوياء، هى شخصيات غير سوية ومعقدة؛ يكتسبون صفات الجاهلية وهى الاندفاع للقتل والعنف دون عقل أو دون سبب أو مبرر معقول؛ وعقول منحرفة استولى عليها الشيطان و شخصيات فاسدة وقعت تحت طائلة الإدمان.

طبيعة المجرم فى كثير من الأحيان تميل إلى النرجسية والسادية والقهر والتجبر والغضب والكبر.. موقف عادى أو كلمة عادية تتحول إلى عداء مستمر ومطاردة وإذلال.. لا تسامح ولا رحمة ولا تقبل الرفض أو الخلاف، لأنها قلوب سوداء وأشرار تميل للتطرف ولا تخشى الله، وهذا ما يفسر سبب انتشار الجرائم العنيفة وغير المألوفة فى الأونى الأخيرة وهى القتل بأبشع الطرق.. ليس أى انتقام، تطرف فى الغضب كما لو كان القاتل عضوا فى عصابات المافيا أو ينتمى لمجموعة من البلطجية والمدمنين.

ما أحوج الناس إلا الحب والدين

النشأة الدينية لا غنى عنها لأنها تطبع على قلب المسلم ليزداد إيمانا وصلابة مع تقلبات الحياة والناس؛ هذا بجانب توافر مناخ من البيئة الطيبة المتسامحة مع الناس والمجتمع يحصن المرء نفسيا وينتج عنه إنسان صالح.
أما البعد عن الدين والأخلاق فهو أصل كل الجرائم والفساد وسببه الأول هو غياب الأسرة وتفككها.
المجتمع بحاجة إلى الحب والتسامح وليس تأجيج نيران الكراهية والانقسام حتى لا يضيع معه الشعور بطعم الحياة وجودتها.. مناخ الكراهية ينزع من الحياة معناها وبركتها.. وينزع من الدين حلاوة الإيمان.. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا).
لا خير فى علم أو تفوق بلا دين و أخلاق.. ولا إيمان بلا حب.
عندما تطغى المادة يفتقد الإحساس بالجمال والمحبة ويصبح واقع الحياة بلا رحمة.. وتسود القسوة.. المباديء تتحول إلى شعارات تطلق.. والكذب عادة تعاد فى المناسبات
التجارة جشع.. والعمل عبودية واستغلال.. والمعاملات تتحول إلى نفاق أو خداع.. والعبادة رياء .. أو تدين بلا أخلاق.
عندما يفتقد العالم الإيمان .. فلا أمان ولا سلام.. ما أحوجنا إلى الدين.. لو تصفو النوايا ستصفو الحياة.

فندق سفير القاهرة
خاطر عبادة مجرمون ونوابغ