وجهات نظر

هى ونفسها.. بقلم: هبة حسنى

يوم لايت
جلست على كرسيها المفضل ونظرت حولها تتأمل الصالة الفارهة.. الفارغة.. والصامتة.. فمنذ أن سافر الأولاد لم يعد لها جليس سوى نفسها.. تناقشها وتتحدث معها.. يضحكان كثيرا..  وأحيانا أخرى يتجادلان.. لكن أبدا لا يتخاصمان.. فالخصام رفاهية لا تملك الأقدام عليها فى ظل وحدتها القاتلة..



ها بقى تحبى نتفرج على أيه الليلة دى؟!



أنا عاوزة أشوف مسلسل



بس أنا ليا مزاج اتفرج على فيلم عربى قديم



رأت لحظة صمت بينهما طالت قليلا..  ثم ككل مرة وافقت واخذتا تشاهدان فيلما قديما..



تعرفى إن عندك حق.. بجد مفيش أحلى من أفلام زمان



وأغانى زمان ولبس زمان.. حتى الناس زمان.. الدنيا كانت أحلى



آه كانت أيام.. انتى محسسانى إن عندك 100 سنة



لأ طبعا.. بس عشت حياة وتجارب أكتر من اللى عاشوا لل100



فجأة قطع الصمت حديثهما وعادتا للتركيز فى الفيلم وسرحتا كل فى واد وهما ينصتان لأغنية لعبد الحليم يغنى لمريم فخر الدين على كورنيش إسكندرية.



ولادى وحشونى قوى



قالتها بشجن وصوت حزين..



يا شيخة خضتينى وانا مركزة فى الفيلم.. ولادك مالهم ما هم بخير وبتتطمنى عليهم كل يوم



تعرفى إن أنا اللى كنت وراهم وباشجعم يسافروا.. دلوقتى كل ما ابص لباب الشقة وهم ما بيدخلوش منه كل شوية باحزن قوى.. لأ ده انا باندم انى سيبتهم يسافروا



طب اتفرجى على الفيلم وسيبك من الأفكار الحزينة دى.. ولادك كويسين ومبسوطين فى غربتهم



ايوه الحمدلله



شايفة الحب بتاع زمان.. ما نفسكيش تحبى تانى؟



لأ شكرا ما أنا حبيت اولانى وخدت على دماغى العمر كله



عادت بذاكرتها لأوائل الثمانينات حين قابلت ابو اولادها ووقعت فى حبه من اول لحظة.. كانت طفلة فى صورة شابة جميلة تخطوا اولى خطواتها فى الحياة الجامعية.. كان اكبر منها بسبع سنوات.. انبهرت به واحبته.. وهو ايضا جرفه حبها لمعاداة اهله وتحديهم والاصرار على الزواج منها.. مر شريط ذكريات حبها سريعا فقصتهما لم تكن طويلة.. لكن قصتها هى واولادها منه استمرت بعدهما لعقود.. كانت لهم أم واب.. تعبت وسهرت وربت وعلمت.. نزلت للعمل ومازالت تعمل حتى اليوم.. لم يعرفا لهما أب غيرها.. فعلاقتها بهما قوية وشديدة الخصوصية.. كانت لهما كل شئ وكانا لها الحياة كلها.. لذلك عندما سافرا شعرت بأن حياتها قد توقفت.. حزنت ولكنها قاومت ومازالت تقاوم الغرق فى الحزن نتيجة افتقادهم..



يلا الفيلم خلص قومى ننام بقى



افاقتها من سرحانها ولكنها شاكرة لها.. فذكرياتها لو استمرت لأحزنتها اكثر مما تشعر..



لأ نامى انتى انا هاسهر اقرا شوية



طب براحتك.. يلا تصبحى على خير



امسكت بالرواية التى بدأت فى قرائتها منذ فترة ولم تكملها.. سرحت فى احداثها وتقليب صفحاتها ولم تشعر الا على صوت نفسها وهى تقول لها



صباح الخير.. انتى نمتى هنا ليه؟!



صباح النور.. باركيلى خلصت الرواية اخيرا



برافو عليكى اخيرااا.. يلا هاحضر انا الفطار النهاردة



رأتها تتجه للمطبخ  وفى تلك اللحظة فركت عينيها لتتأكد من انها لا ترى اشباحا.. هل حقا هناك احد معها فى المنزل.. هل تتخيل ان نفسها تحادثها وتعيش معها ام ان ذلك يحدث بالفعل..



هل جُنت ام إنها على شفا الجنون..
فندق سفير القاهرة